قمنا بسد شريان صفا الذي يزود مخ مروة بالدم والآن يتعين الانتظار

يتذكر الطبيب لحظة وصول الأسرة فيقول: "وصلوا في مطلع أغسطس/آب ولم يكن لدينا سوى القليل من المال المطلوب. وصلت الطفلتان وكنت متوترا إذ شعرت بمسؤولية شخصية تجاههما".
تم توفير إقامة لخال البنتين محمد إدريس، وجدهما، بشقة قرب المستشفى؛ أما زينب فآثرت البقاء بجانب طفلتيها والنوم في نفس الغرفة بالمستشفى.
وبعد وصول الأسرة باسبوع، وبينما كان جيلاني يتناول الغداء مع صديقة له تعمل محامية حدث شيء غير متوقع قلب موازين الأمور. بينما كان يقص عليها حكاية التوأمين وإذ بالمحامية ترفع هاتفها وتجري اتصالا.
أعطت المحامية السماعة لصديقها الجراح وطلبت منه أن يخبر من على الجانب الآخر من الخط عن البنتين، وكان المستمع هو رجل أعمال باكستاني ثري يدعى مرتضى لاخاني، وخلال دقائق معدودة تم التبرع بسداد تكاليف العلاج.
يقول لاخاني "البنتان من باكستان وهي بلدي الأصلي، ولكن سبب عرضي المساعدة في الواقع هو أن تلك العملية ستنقذ حياة طفلتين. لم أفكر كثيرا في الأمر فالأطفال هم المستقبل".
تنتج حالة التوائم الملتصقة من تلقيح بويضة واحدة وبالتالي يكون التوأمان متماثلين.
وثمة نظريتان لسبب الالتصاق – إما أن انفصال أحد الجنينين عن الآخر حدث متأخرا فظل أحد التوأمين ملتصقا بالآخر جزئيا، أو حدث الانفصال فعلا في الرحم ثم لقرب الجنينين التصق التوأمان واندمج بجزء من جسم الآخر مع النمو.
وحين تحدث تلك الحالة فعادة ما يكون الالتصاق عند الصدر أو البطن أو الحوض.
ولكن حالة صفا ومروة وضعت أطباء مستشفى غريت أورموند أمام تحديات عديدة، فالبنتان ملتصقتان من قمة رأسيهما بينما يتجه جسداهما في اتجاهين متضادين. وبالتالي لم تر الواحدة وجه الأخرى.
اتخذت جمجمتيهما شكلا أنبوبيا، وأظهرت الأشعة تمايز مخ إحداهما عن الأخرى وإن كان شكل المخ مشوها، فالنصف الأيمن لكل من المخين بارز بزاوية قائمة باتجاه التجويف الدماغي للتوأم المقابل.
وتمثلت الصعوبة الكبرى بالنسبة لفريق الجراحة في كيفية فصل الشبكة المعقدة المشتركة من الأوردة والشرايين، ومن خلالها يمد كل توائم الآخر بالدم. وهناك مخاطرة كبيرة بقطع تلك الإتصالات بما يحرم المخ من إمداده ويتسبب في سكتة دماغية.
لا تتوافر أرقام رسمية عن مدى شيوع حالات الالتصاق بالرأس، ولكن يشير أحد التقديرات إلى حالة واحدة بين كل 2,5 مليون ولادة، وأغلبها لا تقوى على الحياة لأكثر من 24 ساعة.
وتعتبر كل من هذه الحالات حالة فريدة، ولم تجر إلا 60 محاولة لفصل توائم ملتصقة بالرأس منذ عام 1952، تاريخ أول محاولة.
ويعد مستشفى غريت أورموند ستريت رائدا في هذا النوع من الجراحات، وستكون حالة صفا ومروة ثالث حالة توائم ملتصقة بالرأس يتعامل معها المستشفى، وهو عدد أكبر من أي مركز آخر في العالم. ويدرك الفريق الجراحي من خبرته أن أفضل النتائج تتحقق حين يجري الفصل على مراحل خلال عمليات عدة ما يسمح بالتعافي بعد كل عملية.
وفضلا عن الجراحين وطاقم التمريض يضم الفريق المشارك في رعاية التوأمين وعملية الفصل بينهما بمستشفى غريت أورموند ستريت نحو 100 شخص منهم متخصصون بالهندسة الحيوية فنيون في مجال التطبيقات ثلاثية الأبعاد فضلا عن مصمم لتصور مراحل الواقع الافتراضي للحالة.
يباشر جيلاني المهام الأساسية لفصل مخي البنتين وأوعيتهما الدموية، أما جراح التجميل البروفيسور ديفيد داناواي فيضطلع بعملية إعادة تشكيل دماغي الفتاتين وإضافة سقف لجمجمة كل منهما.
الساعة 08:00 صباح الاثنين الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2018 وقد تجمع فريق من نحو عشرين فردا في صالة العمليات رقم 10 بمستشفى غريت أورموند ستريت. يقوم كل فرد بالفريق بتعريف نفسه والدور الذي يتولاه.
يقول جيلاني: "لدينا حالة واحدة اليوم. صفا ومروة، حالة واحدة وطفلتان".
بخطى بطيئة ستبدأ رحلة التوأمين نحو الاستقلال.
هدف الجراحة الراهنة – وهي الأولى من ثلاث عمليات رئيسية – هو فصل الشرايين المشتركة للتوأمين.
يراجع جيلاني خطة العمل للمرة الأخيرة قبل البدء، غير أن الجميع على بينة من الدور المنوط بهم، إذ استعد الفريق منذ عدة أشهر لمثل هذا اليوم.
يقول داناواي: "راجعنا كل شيء بأدق التفاصيل المرة تلو الأخرى. جاءت ساعة الحسم ولا مجال للخطأ".
يحمل فصل التوائم الملتصقة مخاطر جمة قد تودي بحياة أحد التوأمين أو كليهما خلال الجراحة أو قد تلحق بهما إصابة دماغية. لا تخفى تلك الأخطار عن الأسرة التي أولت الفريق الطبي ثقتها التامة.
يقول جيلاني: "لا تخفى على أحد صعوبة الحياة لتوأمين ملتصقين بهذا الشكل، ولذا تهون المجازفة بعملية الفصل والأسرة تدرك ذلك".
ويضيف: "طبعا أعتقد أن حياة التوأمين بعد فصلهما ستكون أفضل بكثير، ولو لم نعتقد بأن لدينا فرصة كبيرة جدا في النجاح لراجعنا أنفسنا قبل القيام بالعملية. الفريق بالكامل يعتقد بإمكان فصل التوأمين بنجاح".
ومع وصول البنتين على النقالة إلى صالة العمليات تبادر زينب إلى تقبيلهما، وهي تعلم أن الأشهر الآتية ستكون صعبة عليهما، وكذلك تشعر بصعوبة تركهما ولو لحين. تغمر عينيها الدموع بينما تهدئ من روعها إحدى الممرضات التي أصبحت تنظر اليهم وكأنهم من أقاربها.
تقول الأم: "إن شاء الله ستمضي الأمور على خير وكُلي ثقة بالأطباء. إن شاء الله كل شيء يكون على ما يرام".
وما إن ينكشف المخان، يستبدل جيلاني النظارة الجراحية بآلة أخرى أكثر دقة بكثير.
ينتصب في وسط غرفة العمليات مجهر جراحي بارتفاع سبعة أقدام ليمكّن جراح الأعصاب من فحص الأوعية الدموية متناهية الدقة.

Comments

Popular posts from this blog

गणेशजी की प्रतिमाओं को जेसीबी से टुकड़े-टुकड़े किया गया

अटल बिहारी वाजपेयीः तस्वीरों में सफ़र